الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاتْلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَبْسُطُوا أَيْدِيَهُمْ إِلَيْكُمْ، وَعَلَى أَصْحَابِكَ مَعَكَ وَعَرِّفْهُمْ مَكْرُوهَ عَاقِبَةِ الظُّلْمِ وَالْمَكْرِ، وَسُوءِ مَغَبَّةِ الْخَتْرِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ، وَمَا جَزَاءُ النَّاكِثِ وَثَوَابُ الْوَافِي خَبَرَ ابْنَيْ آدَمَ، هَابِيلَ وَقَابِيلَ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُ الْمُطِيعِ مِنْهُمَا رَبَّهُ الْوَافِي بِعَهْدِهِ، وَمَا إِلَيْهِ صَارَ أَمْرُ الْعَاصِي مِنْهُمَا رَبَّهُ الْخَاتِرُ النَّاقِضُ عَهْدَهُ. فَلْتَعْرِفْ بِذَلِكَ الْيَهُودُ وَخَامَةَ غَبِّ غَدْرِهِمْ وَنَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، وَهَمِّهِمْ بِمَا هَمُّوا بِهِ مِنْ بَسْطِ أَيْدِيهِمْ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ، فَإِنَّ لَكَ وَلَهُمْ فِي حُسْنِ ثَوَابِي وَعِظَمِ جَزَائِي عَلَى الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ الَّذِي جَازَيْتُ الْمَقْتُولَ الْوَافِيَ بِعَهْدِهِ مِنَ ابْنَيْ آدَمَ، وَعَاقَبْتُ بِهِ الْقَاتِلَ النَّاكِثَ عَهْدَهُ عَزَاءً جَمِيلًا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيسَبَبِ تَقْرِيبِ ابْنَيْ آدَمَ الْقُرْبَانَ، وَسَبَبِ قَبُولِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا تَقَبَّلَ مِنْهُ، وَمَنِ اللَّذَانِ قَرَّبَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِيَّاهُمَا بِتَقْرِيبِهِ، وَكَانَ سَبَبُ الْقَبُولِ أَنَّ الْمُتَقَبَّلَ مِنْهُ قَرَّبَ خَيْرَ مَالِهِ، وَقَرَّبَ الْآخَرُ شَرَّ مَالِهِ، وَكَانَ الْمُقَرِّبَانِ ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ، أَحَدُهُمَا: هَابِيلُ، وَالْآخَرُ: قَابِيلُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَيْ آدَمَ لَمَّا أُمِرَا بِالْقُرْبَانِ، كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ غَنَمٍ، وَكَانَ أُنْتِجَ لَهُ حَمَلٌ فِي غَنَمِهِ، فَأَحَبَّهُ حَتَّى كَانَ يُؤْثِرُهُ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ حُبِّهِ، حَتَّى لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْهُ. فَلَمَّا أُمِرَ بِالْقُرْبَانِ قَرَّبَهُ لِلَّهِ فَقَبِلَهُ اللَّهُ مِنْهُ، فَمَا زَالَ يَرْتَعُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى فُدِيَ بِهِ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ ابْنَيْ آدَمَ اللَّذَيْنِ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقَبِّلُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ، كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ حَرْثٍ، وَالْآخَرُ صَاحِبَ غَنَمٍ. وَأَنَّهُمَا أُمِرَا أَنْ يُقَرِّبَا قُرْبَانًا وَإِنَّ صَاحِبَ الْغَنَمِ قَرَّبَ أَكْرَمَ غَنَمِهِ وَأَسْمَنَهَا وَأَحْسَنَهَا طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ وَإِنَّ صَاحِبَ الْحَرْثِ قَرَّبَ شَرَّ حَرْثِهِ، [الْكَوْزَنَ] وَالزُّوَانَ، غَيْرَ طَيِّبَةٍ بِهَا نَفْسُهُ وَإِنَّ اللَّهَ تَقَبَّلَ قُرْبَانَ صَاحِبِ الْغَنَمِ، وَلَمْ يَتَقَبَّلْ قُرْبَانَ صَاحِبِ الْحَرْثِ. وَكَانَ مِنْ قِصَّتِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. وَقَالَ: أَيْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ، وَلَكِنْ مَنْعَهُ التَّحَرُّجُ أَنْ يَبْسُطَ يَدَهُ إِلَى أَخِيهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمَا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِسْكِينٌ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَانُ يُقَرِّبُهُ الرَّجُلُ. فَبَيْنَا ابْنَا آدَمَ قَاعِدَانِ إِذْ قَالَا: "لَوْ قَرَّبْنَا قُرْبَانًا"! وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا قَرَّبَ قُرْبَانًا فَرَضِيَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ نَارًا فَأَكَلَتْهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَضِيَهُ اللَّهُ، خَبَتِ النَّارُ. فَقَرَّبَا قُرْبَانًا، وَكَانَ أَحَدُهُمَا رَاعِيًا، وَكَانَ الْآخَرُ حَرَّاثًا، وَإِنَّ صَاحِبَ الْغَنَمِ قَرَّبَ خَيْرَ غَنَمِهِ وَأَسْمَنَهَا، وَقَرَّبَ الْآخَرُ بَعْضَ زَرْعِهِ. فَجَاءَتِ النَّارُ فَنَزَلَتْ يَيْنَهُمَا، فَأَكَلَتِ الشَّاةَ وَتَرَكَتِ الزَّرْعَ، وَإِنَّ ابْنَ آدَمَ قَالَ لِأَخِيهِ: أَتَمْشِي فِي النَّاسِ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّكَ قَرَّبْتَ قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْكَ، وَرُدَّ عَلَيَّ؟ فَلَا وَاللَّهِ لَا تَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيَّ وَإِلَيْكَ وَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي!! فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ! فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: مَا ذَنْبِي؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: "إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا"، قَالَ: ابْنَا آدَمَ، هَابِيلَ وَقَابِيلَ، لِصُلْبِ آدَمَ. فَقَرَّبَ أَحَدُهُمَا شَاةً، وَقَرَّبَ الْآخَرُ بَقْلًا فَقَبِلَ مِنْ صَاحِبِ الشَّاةِ، فَقَتَلَهُ صَاحِبُهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا} " قَالَ: هَابِيلُ وَقَابِيلُ، فَقَرَّبَ هَابِيلُ عَنَاقًا مِنْ أَحْسَنِ غَنَمِهِ، وَقَرَّبَ قَابِيلُ زَرْعًا مِنْ زَرْعِهِ. قَالَ: فَأَكَلَتِ النَّارُ الْعَنَاقَ، وَلَمْ تَأْكُلِ الزَّرْعَ، فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ! قَالَ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ سَمِعَ مُجَاهِدًا فِي قَوْلِهِ {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا} " قَالَ: هُوَ هَابِيلُ وَقَابِيلُ لِصُلْبِ آدَمَ، قَرَّبَا قُرْبَانًا، قَرَّبَ أَحَدُهُمَا شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، وَقَرَّبَ الْآخَرُ بَقْلًا فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِبِ الشَّاةِ، فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: لَأَقْتُلَنَّكَ! فَقَتَلَهُ. فَعَقَلَ اللَّهُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ بِسَاقِهَا إِلَى فَخِذِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجُعِلَ وَجْهُهُ إِلَى الشَّمْسِ حَيْثُمَا دَارَتْ، عَلَيْهِ حَظِيرَةٌ مِنْ ثَلْجٍ فِي الشِّتَاءِ، وَعَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ حَظِيرَةٌ مِنْ نَارٍ، وَمَعَهُ سَبْعَةُ أَمْلَاكٍ، كُلَّمَا ذَهَبَ مَلَكٌ جَاءَ الْآخَرُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ ح، وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَّأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ"، قَالَ: قَرَّبَ هَذَا كَبْشًا، وَقَرَّبَ هَذَا صُبَرًا مِنْ طَعَامٍ، فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا، قَالَ: تُقُبِّلَ مِنْ صَاحِبِ الشَّاةِ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ} "، كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} "، قَالَ: كَانَ أَحَدُهُمَا اسْمُهُ قَابِيلُ، وَالْآخَرُ هَابِيلُ، أَحَدُهُمَا صَاحِبُ غَنَمٍ، وَالْآخَرُ صَاحِبُ زَرْعٍ، فَقَرَّبَ هَذَا مِنْ أَمْثَلِ غَنَمِهِ حَمَلًا وَقَرَّبَ هَذَا مِنْ أَرْذَلِ زَرْعِهِ، قَالَ: فَنَزَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتِ الْحَمَلَ، فَقَالَ لِأَخِيهِ: لَأَقْتُلَنَّكَ! حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ: أَنَّ آدَمَ أَمَرَ ابْنَهُ قَابِيلَ أَنْ يُنْكِحَ أُخْتَهُ تُؤْمَهُ هَابِيلَ، وَأَمَرَ هَابِيلَ أَنْ يُنْكِحَ أُخْتَهُ تُؤْمَهُ قَابِيلَ، فَسَلَّمَ لِذَلِكَ هَابِيلُ وَرَضِيَ، وَأَبَى قَابِيلُ ذَلِكَ وَكَرِهَ، تَكَرُّمًا عَنْ أُخْتِ هَابِيلَ، وَرَغِبَ بِأُخْتِهِ عَنْ هَابِيلَ، وَقَالَ: نَحْنُ وِلَادَةُ الْجَنَّةِ، وَهُمَا مِنْ وِلَادَةِ الْأَرْضِ، وَأَنَا أَحَقُّ بِأُخْتِي! وَيَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ: كَانَتْ أُخْتُ قَابِيلَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَضَنَّ بِهَا عَنْ أَخِيهِ وَأَرَادَهَا لِنَفْسِهِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَكَ! فَأَبَى قَابِيلُ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا بُنَيَّ فَقَرِّبْ قُرْبَانًا، وَيُقَرِّبْ أَخُوكَ هَابِيلُ قُرْبَانًا، فَأَيُّكُمَا قَبِلَ اللَّهُ قُرْبَانَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا. وَكَانَ قَابِيلُ عَلَى بَذْرِ الْأَرْضِ، وَكَانَ هَابِيلُ عَلَى رِعَايَةِ الْمَاشِيَةِ، فَقَرَّبَ قَابِيلُ قَمْحًا وَقَرَّبَ هَابِيلُ أَبْكَارًا مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: قَرَّبَ بَقَرَةً فَأَرْسَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ نَارًا بَيْضَاءَ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ، وَتَرَكَتْ قُرْبَانَ قَابِيلَ، وَبِذَلِكَ كَانَ يُقْبَلُ الْقُرْبَانُ إِذَا قَبِلَهُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِيمَا ذَكَرَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَكَانَ لَا يُولَدُ لِآدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا وُلِدَ مَعَهُ جَارِيَةٌ، فَكَانَ يُزَوِّجُ غُلَامَ هَذَا الْبَطْنِ، جَارِيَةَ هَذَا الْبَطْنِ الْآخَرِ، وَيُزَوِّجُ جَارِيَةَ هَذَا الْبَطْنِ، غُلَامَ هَذَا الْبَطْنِ الْآخَرِ. حَتَّى وُلِدَ لَهُ ابْنَانِ يُقَالُ لَهُمَا: قَابِيلُ، وَهَابِيلُ. وَكَانَ قَابِيلُ صَاحِبَ زَرْعٍ، وَكَانَ هَابِيلُ صَاحِبَ ضَرْعٍ. وَكَانَ قَابِيلُ أَكْبَرَهُمَا، وَكَانَ لَهُ أُخْتٌ أَحْسَنُ مِنْ أُخْتِ هَابِيلَ. وَإِنَّ هَابِيلَ طَلَبَ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَ قَابِيلَ، فَأَبَى عَلَيْهِ وَقَالَ: هِيَ أُخْتِي، وُلِدَتْ مَعِي، وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ أُخْتِكَ، وَأَنَا أَحَقُّ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا! فَأَمَرَهُ أَبُوهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا هَابِيلَ، فَأَبَى. وَإِنَّهُمَا قَرَّبَا قُرْبَانًا إِلَى اللَّهِ أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ، كَانَ آدَمُ يَوْمَئِذٍ قَدْ غَابَ عَنْهُمَا إِلَى مَكَّةَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِآدَمَ: يَا آدَمُ، هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ لِي بَيْتًا فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا! قَالَ: فَإِنَّ لِي بَيْتًا بِمَكَّةَ فَأْتِهِ. فَقَالَ آدَمُ لِلسَّمَاءِ: "احْفَظِي وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ"، فَأَبَتْ. وَقَالَ لِلْأَرْضِ، فَأَبَتْ. وَقَالَ لِلْجِبَالِ فَأَبَتْ. وَقَالَ لِقَابِيلَ، فَقَالَ: نَعَمَ، تَذْهَبُ وَتَرْجِعُ وَتَجِدُ أَهْلَكَ كَمَا يَسُرُّكَ. فَلَمَّا انْطَلَقَ آدَمُ، قَرَّبَا قُرْبَانًا، وَكَانَ قَابِيلُ يَفْخَرُ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ، هِيَ أُخْتِي، وَأَنَا أَكْبَرُ مِنْكَ، وَأَنَا وَصِيُّ وَالِدِي! فَلَمَّا قَرَّبَا، قَرَّبَ هَابِيلُ جَذَعَةً سَمِينَةً، وَقَرَّبَ قَابِيلُ حُزْمَةَ سُنْبُلٍ، فَوَجَدَ فِيهَا سُنْبُلَةً عَظِيمَةً، فَفَرَكَهَا فَأَكَلَهَا. فَنَزَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ، وَتَرَكَتْ قُرْبَانَ قَابِيلَ، فَغَضِبَ وَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ حَتَّى لَا تَنْكِحَ أُخْتِي! فَقَالَ هَابِيلُ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: " {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} "، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا هَابِيلُ وَقَابِيلُ. فَأَمَّا هَابِيلُ، فَكَانَ صَاحِبَ مَاشِيَةٍ، فَعَمَدَ إِلَى خَيْرِ مَاشِيَتِهِ فَتَقَرَّبَ بِهَا، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ نَارٌ فَأَكَلَتْهُ وَكَانَ الْقُرْبَانُ إِذَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ، نَزَلَتْ عَلَيْهِ نَارٌ فَأَكَلَتْهُ. وَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِمْ أَكَلَتْهُ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ وَأَمَّا قَابِيلُ، فَكَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ، فَعَمَدَ إِلَى أَرْدَإِ زَرْعِهِ فَتَقَرَّبَ بِهِ، فَلَمَّ تَنْزِلْ عَلَيْهِ النَّارُ، فَحَسَدَ أَخَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ! قَالَ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: " {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} "، قَالَ: هُمَا هَابِيلُ وَقَابِيلُ، قَالَ: كَانَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَ زَرْعٍ، وَالْآخَرُ صَاحِبَ مَاشِيَةٍ، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا بِخَيْرِ مَالِهِ، وَجَاءَ الْآخَرُ بِشَرِّ مَالِهِ. فَجَاءَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ أَحَدِهِمَا، وَهُوَ هَابِيلُ، وَتَرَكَتْ قُرْبَانَ الْآخَرِ، فَحَسَدَهُ فَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ! حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا} "، قَالَ: قَرَّبَ هَذَا زَرْعًا، وَذَا عَنَاقًا، فَتَرَكَتِ النَّارُ الزَّرْعَ وَأَكَلَتِ الْعَنَاقَ. وَقَالَ آخَرُونَ: اللَّذَانِ قَرَّبَا قُرْبَانًا، وَقَصَّ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ قَصَصَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ: رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا مِنْ وَلَدِ آدَمَ لِصُلْبِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلَانِ اللَّذَانِ فِي الْقُرْآنِ، اللَّذَانِ قَالَ اللَّهُ: " {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} "، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَكُونَا ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْقُرْبَانُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ آدَمُ أَوَّلَ مَنْ مَاتَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، أَنْاللَّذَيْنِ قَرَّبَا الْقُرْبَانَ كَانَا ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ، لَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يُخَاطِبَ عِبَادَهُ بِمَا لَا يُفِيدُهُمْ بِهِ فَائِدَةً، وَالْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَانُوا عَالِمِينَ أَنَّ تَقْرِيبَ الْقُرْبَانِ لِلَّهِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي وَلَدِ آدَمَ، دُونَ الْمَلَائِكَةِ وَالشَّيَاطِينِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ غَيْرِهِمْ. فَإِذْ كَانَ مَعْلُومًا ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، فَمَعْقُولٌ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْنِيًّا بِـ"ابْنَيْ آدَمَ" اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، ابْنَاهُ لِصُلْبِهِ، لَمْ يُفِدْهُمْ بِذِكْرِهِ جَلَّ جَلَالُهُ إِيَّاهُمَا فَائِدَةً لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ. وَإِذْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ خِطَابًا لَا يُفِيدُهُمْ بِهِ مَعْنًى، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عَنَى بِـ"ابْنَيْ آدَمَ"، [ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ]، لَا بَنِي بَنِيهِ الَّذِينَ بَعُدَ مِنْهُ نَسَبُهُمْ، مَعَ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَالسِّيَرِ وَالْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ، عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا ابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ، وَفِي عَهْدِ آدَمَ وَزَمَانِهِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِمَّنْ نُصَّ عَنْهُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ، وَسَنَذْكُرُ كَثِيرًا مِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَامُ بْنُ الْمِصَكِّ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، مَكَثَ آدَمُ مِائَةَ سَنَةٍ حَزِينًا لَا يَضْحَكُ، ثُمَّ أُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: حَيَّاكَ اللَّهُ وَبَيَّاكَ! فَقَالَ: "بَيَّاكَ"، أَضْحَكَكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ، بَكَى آدَمُ فَقَالَ: تَغَيَّرَتِ الْبِلَادُ وَمَنْ عَلَيْهَا *** فَلَوْنُ الْأَرْضِ مُغْبَرٌّ قَبِيحُ تَغَيَّرَ كُلُّ ذِي لَوْنٍ وَطَعْمٍ *** وَقَلَّ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ الْمَلِيحِ فَأُجِيبُ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَبَا هَابِيلَ قَدْ قُتِلَا جَمِيعًا *** وَصَارَ الْحَيُّ كَالْمَيْتِ الذَّبِيحِ وَجَاءَ بِشِرَّةٍ قَدْ كَانَ مِنْهَا *** عَلَى خَوْفٍ فَجَاءَ بِهَا يَصِيحُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا الْقَوْلُ فِي تَقْرِيبِهِمَا مَا قَرَّبَا، فَإِنَّ الصَّوَابَ فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عِبَادَهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَدْ قَرَّبَا، وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّ تَقْرِيبَهُمَا مَا قَرَّبَا كَانَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا بِهِ، وَلَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا بِذَلِكَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ، فَلَمْ يُقَرِّبَا ذَلِكَ إِلَّا طَلَبَ قُرْبَةٍ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَأَمَّاتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: "قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ"، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: قَالَ الَّذِي لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ قُرْبَانُهُ، لِلَّذِي تُقُبِّلَ مِنْهُ قُرْبَانُهُ: "لَأَقْتُلَنَّكَ"، فَتَرَكَ ذِكْرَ: "الْمُتَقَبَّلِ قُرْبَانُهُ" وَ "المَرْدُودِ عَلَيْهِ قُرْبَانُهُ"، اسْتِغْنَاءً بِمَا قَدْ جَرَى مِنْ ذِكْرِهِمَا عَنْ إِعَادَتِهِ. وَكَذَلِكَ تَرَكَ ذِكْرَ "الْمُتَقَبَّلِ قُرْبَانُهُ" مَعَ قَوْلِهِ، "قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ". وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ رُوِيَ الْخَبَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ"، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: مَا ذَنْبِي؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} "، قَالَ يَقُولُ: إِنَّكَ لَوِ اتَّقَيْتَ اللَّهَ فِي قُرْبَانِكَ تُقُبِّلَ مِنْكَ، جِئْتَ بِقُرْبَانٍ مَغْشُوشٍ بِأَشَرِّ مَا عِنْدَكَ، وَجِئْتُ أَنَا بِقُرْبَانٍ طَيِّبٍ بِخَيْرِ مَا عِنْدِي. قَالَ: وَكَانَ قَالَ: يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْكَ وَلَا يَتَقَبَّلُ مِنِّي! وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: "مِنَ الْمُتَّقِينَ"، مِنَ الَّذِينَ اتَّقَوُا اللَّهَ وَخَافُوهُ، بِأَدَاءِ مَا كَلَّفَهُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: "الْمُتَّقُونَ" فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الَّذِينَ اتَّقَوُا الشِّرْكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلَهُ: " {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} "، الَّذِينَ يَتَّقُونَ الشِّرْكَ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى "الْقُرْبَانِ" فِيمَا مَضَى وَأَنَّهُ "الْفِعْلَانِ" مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "قَرَّبَ"، كَمَا "الْفُرْقَانِ" "الْفِعْلَانِ" مِنْ "فَرَّقَ"، وَ "العُدْوَانُ" مِنْ "عَدَا". وَكَانَتْ قَرَابِينُ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ أُمَّتِنَا، كَالصَّدَقَاتِ وَالزِّكْوَاتِ فِينَا، غَيْرَ أَنَّ قَرَابِينَهُمْ كَانَ يُعْلَمُ الْمُتَقَبَّلُ مِنْهَا وَغَيْرَ الْمُتَقَبَّلِ فِيمَا ذُكِرَ بِأَكْلِ النَّارِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا، وَتَرْكِ النَّارِ مَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهَا. وَ "القُرْبَانُ" فِي أُمَّتِنَا، الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، مِنَ الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَسْكَنَةِ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَلَا سَبِيلَ لَهَا إِلَى الْعِلْمِ فِي عَاجِلٍ بِالْمُتَقَبَّلِ مِنْهَا وَالْمَرْدُودِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيِّ، أَنَّهُ حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَدْ كُنْتَ وَكُنْتَ! فَقَالَ: يُبْكِينِي أَنِّي أَسْمَعُ اللَّهَ يَقُولُ: " {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} ". حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ عَامِرٍ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: قُرْبَانُ الْمُتَّقِينَ، الصَّلَاةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ قُرْبَانُ الْمُتَّقِينَ، الصَّلَاةَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ الْمَقْتُولِ مِنَ ابْنَيْ آدَمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَخِيهِ لَمَّا قَالَ لَهُ أَخُوهُ الْقَاتِلُ: لَأَقْتُلَنَّكَ: وَاللَّهِ" {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ} "، يَقُولُ: مَدَدْتَ إِلَيَّ يَدَكَ"لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ"، يَقُولُ: مَا أَنَا بِمَادٍّ يَدِيَ إِلَيْكَ "لِأَقْتُلَكَ". وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَالَ الْمَقْتُولُ ذَلِكَ لِأَخِيهِ، وَلَمْ يُمَانِعْهُ مَا فَعَلَ بِهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ ذَلِكَ، إِعْلَامًا مِنْهُ لِأَخِيهِ الْقَاتِلِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِلُّ قَتْلَهُ وَلَا بَسْطَ يَدِهِ إِلَيْهِ بِمَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لَهُ بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ، إِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ لَأَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ، وَلَكِنْ مَنَعَهُ التَّحَرُّجُ أَنْ يَبْسُطَ إِلَى أَخِيهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ} "، مَا أَنَا بِمُنْتَصِرٍ، وَلَأُمْسِكَنَّ يَدِيَ عَنْكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَمْنَعْهُ مِمَّا أَرَادَ مِنْ قَتْلِهِ، وَقَالَ مَا قَالَ لَهُ مِمَّا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: [إِلَّا] أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ فَرَضَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ مَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ مِمَّنْ أَرَادَ ذَلِكَ مِنْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} "، قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ، إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا تَرَكَهُ وَلَا يَمْتَنِعَ مِنْهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ كَانَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ قَتْلَ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ ظُلْمًا، وَأَنَّ الْمَقْتُولَ قَالَ لِأَخِيهِ: " {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ إِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ} "، لِأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ مِنْ قَتْلِ أَخِيهِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَى أَخِيهِ الْقَاتِلِ مِنْ قَتْلِهِ. فَأَمَّا الِامْتِنَاعُ مِنْ قَتْلِهِ حِينَ أَرَادَ قَتْلَهُ، فَلَا دَلَالَةَ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ حِينَ أَرَادَ قَتْلَهُ وَعَزَمَ عَلَيْهِ، كَانَ الْمَقْتُولُ عَالِمًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ عَازِمٌ مِنْهُ وَمُحَاوِلٌ مِنْ قَتْلِهِ، فَتَرَكَ دَفْعَهُ عَنْ نَفْسِهِ. بَلْ قَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَةً، اغْتَالَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، فَشَدَخَ رَأْسَهُ بِصَخْرَةٍ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِتَرْكِ مَنْعِ أَخِيهِ مِنْ قَتْلِهِ، يَكُنْ جَائِزًا ادِّعَاءُ مَا لَيْسَ فِي الْآيَةِ، إِلَّا بِبُرْهَانٍ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ. وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ: "إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" فَإِنَّهُ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ فِي بَسْطِ يَدِيَ إِلَيْكَ إِنْ بَسَطْتُهَا لِقَتْلِكَ "رَبَّ الْعَالَمِينَ"، يَعْنِي: مَالِكَ الْخَلَائِقِ كُلِّهَا أَنْ يُعَاقِبَنِي عَلَى بَسْطِ يَدِيَ إِلَيْكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي مِنْ قَتْلِكَ إِيَّايَ، وَإِثْمِكَ فِي مَعْصِيَتِكَ اللَّهَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَاصِيكَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} "، يَقُولُ: إِثْمِ قَتْلِي، إِلَى إِثْمِكَ الَّذِي فِي عُنُقِكِ" {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} ". حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: " {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} "، يَقُولُ: بِقَتْلِكَ إِيَّايَ، وَإِثْمِكَ قَبْلَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} "، قَالَ: بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِكَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} " يَقُولُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ خَطِيئَتُكَ وَدَمِي، تَبُوءُ بِهِمَا جَمِيعًا. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} "، يَقُولُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِقَتْلِكَ إِيَّايَ "وَإِثْمِكَ"، قَالَ: بِمَا كَانَ مِنْكَ قَبْلَ ذَلِكَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَوْلَهُ: " {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} "، قَالَ: أَمَّا"إِثْمُكَ"، فَهُوَ الْإِثْمُ الَّذِي عُمِلَ قَبْلَ قَتْلِ النَّفْسِ يَعْنِي أَخَاهُ وَأَمَّا "إِثْمُهُ"، فَقَتْلُهُ أَخَاهُ. وَكَأَنَّ قَائِلِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَجَّهُوا تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ"، إِلَى: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي فَحَذَفَ "القَتْلَ" وَاكْتَفَى بِذِكْرِ "الْإِثْمِ"، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِخَطِيئَتِي، فَتَتَحَمَّلُ وِزْرَهَا، وَإِثْمِكَ فِي قَتْلِكَ إِيَّايَ. وَهَذَا قَوْلٌ وَجَدْتُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ غَلَطًا، لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} "، يَقُولُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْكَ خَطِيئَتِي وَدَمِي، فَتَبُوءُ بِهِمَا جَمِيعًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ تَأْوِيلَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَنْصَرِفَ بِخَطِيئَتِكَ فِي قَتْلِكَ إِيَّايَ وَذَلِكَ هُوَمَعْنَى قَوْلِهِ: "إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي" وَأَمَّا مَعْنَى: "وَإِثْمكِ"، فَهُوَ إِثْمُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ، وَذَلِكَ مَعْصِيَتُهُ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي أَعْمَالٍ سِوَاهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ، لِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ. لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ فَجَزَاءُ عَمَلِهِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ حُكْمُهُ فِي خَلْقِهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ آثَامُ الْمَقْتُولِ مَأْخُوذًا بِهَا الْقَاتِلُ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ الْقَاتِلُ بِإِثْمِهِ بِالْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ وَسَائِرِ آثَامِ مَعَاصِيهِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا بِنَفْسِهِ، دُونَ مَا رَكِبَهُ قَتِيلُهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَ لَيْسَ قَتْلُ الْمَقْتُولِ مِنْ بَنِي آدَمَ كَانَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ مِنَ الْقَاتِلِ؟ قِيلَ: بَلَى، وَأَعْظِمْ بِهَا مَعْصِيَةً! فَإِنْ قَالَ: فَإِذَا كَانَ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مَعْصِيَةً، فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُرِيدَ ذَلِكَ مِنْهُ الْمَقْتُولُ، وَيَقُولَ: " {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي} "، وَقَدْ ذَكَرْتَ أَنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي؟ [قِيلَ] مَعْنَاهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي إِنْ قَتَلْتَنِي، لِأَنِّي لَا أَقْتُلُكَ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْتَنِي، فَإِنِّي مُرِيدٌ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ مَعْصِيَتِكَ اللَّهَ فِي قَتْلِكَ إِيَّايَ. وَهُوَ إِذَا قَتَلَهُ، فَهُوَ لَا مَحَالَةَ بَاءَ بِهِ فِي حُكْمِ اللَّهِ، فَإِرَادَتُهُ ذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لَهُ الدُّخُولَ فِي الْخَطَأِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: " {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} "، يَقُولُ: فَتَكُونُ بِقَتْلِكَ إِيَّايَ مِنْ سُكَّانِ الْجَحِيمِ، وَوَقُودِ النَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِيهَا "وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ"، يَقُولُ: وَالنَّارُ ثَوَابُ التَّارِكِينَ طَرِيقَ الْحَقِّ، الزَّائِلِينَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، الْمُتَعَدِّينَ مَا جُعِلَ لَهُمْ إِلَى مَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُمْ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ كَانَ أَمَرَ وَنَهَى آدَمَ بَعْدَ أَنْ أَهْبَطَهُ إِلَى الْأَرْضِ، وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ. وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَالَ الْمَقْتُولُ لِلْقَاتِلِ: "فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ" بِقَتْلِكَ إِيَّايَ، وَلَا أَخْبَرَهُ أَنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. فَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: عُلِّقَتْ إِحْدَى رِجْلَيِ الْقَاتِلِ بِسَاقِهَا إِلَى فَخِذِهَا مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَوَجْهُهُ فِي الشَّمْسِ حَيْثُمَا دَارَتْ دَارَ، عَلَيْهِ فِي الصَّيْفِ حَظِيرَةٌ مِنْ نَارٍ، وَعَلَيْهِ فِي الشِّتَاءِ حَظِيرَةٌ مِنْ ثَلْجٍ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ مُجَاهِدٌ ذَلِكَ قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: وَإِنَّا لِنَجِدُ ابْنَ آدَمَ الْقَاتِلَ يُقَاسِمُ أَهْلَ النَّارِ قِسْمَةً صَحِيحَةً الْعَذَابَ، عَلَيْهِ شَطْرُ عَذَابِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، خَبَرٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ح، وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ جَمِيعًا، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْهَا، ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْل». حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ جَمِيعًا، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ قَالَ: مَا مِنْ مَقْتُولٍ يُقْتَلُ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ وَالشَّيْطَانِ كِفْلٌ مِنْهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ، أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ أَشْقَى النَّاسِ رَجُلًا لَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، مَا سُفِكَ دَمٌ فِي الْأَرْضِ مُنْذُ قَتَلَ أَخَاهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا لَحِقَ بِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُبِينٌ عَنْ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ الْحَسَنُ فِي ابْنَيْ آدَمَ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِابْنَيْ آدَمَ لِصُلْبِهِ، وَلَكِنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي حُكِيَ عَنْهُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ مَاتَ آدَمُ، وَأَنَّ الْقُرْبَانَ الَّذِي كَانَتْ النَّارُ تَأْكُلُهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ خَطَأٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ هَذَا الْقَاتِلِ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ: أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ. وَقَدْ كَانَ، لَا شَكَّ، الْقَتْلُ قَبْلَ إِسْرَائِيلَ، فَكَيْفَ قَبْلَ ذُرِّيَّتِهِ! فَخَطَأٌ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقَوْلِ هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: "هُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ"، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: "فَطَوَّعَتْ" فَآتَتْهُ وَسَاعَدَتْهُ عَلَيْهِ. وَهُوَ "فَعَّلَتْ" مِنْ "الطَّوْعِ"، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: "طَاعَنِي هَذَا الْأَمْرُ"، إِذَا انْقَادَ لَهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ، مَعْنَاهُ: فَشَجَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ"، قَالَ: شَجَّعَتْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ" قَالَ: فَشَجَّعَتْهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ"، قَالَ: شَجَّعَتْهُ عَلَى قَتْلِ أَخِيهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: زَيَّنَتْ لَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ"، قَالَ: زَيَّنَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ قَتْلِهِ إِيَّاهُ، كَيْفَ كَانَتْ، وَالسَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ قَتَلَهُ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَجَدَهُ نَائِمًا فَشَدَخَ رَأْسَهُ بِصَخْرَةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِيمَا ذُكِرَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} " فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَرَاغَ الْغُلَامُ مِنْهُ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ. وَأَتَاهُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ وَهُوَ يَرْعَى غَنَمًا لَهُ فِي جَبَلٍ، وَهُوَ نَائِمٌ، فَرَفَعَ صَخْرَةً فَشَدَخَ بِهَا رَأْسَهُ، فَمَاتَ، فَتَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا:- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ أَشْعَثَ السِّجِسْتَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ: ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ صَاحِبَهُ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَقْتُلُهُ، فَتَمَثَّلَ إِبْلِيسُ لَهُ فِي هَيْئَةِ طَيْرٍ، فَأَخَذَ طَيْرًا فَقَطَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ وَضَعَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَشَدَخَ رَأْسَهُ، فَعَلَّمَهُ الْقَتْلَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَتَلَهُ حَيْثُ يَرْعَى الْغَنَمَ، فَأَتَاهُ فَجَعَلَ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَقْتُلُهُ، فَلَوَى بِرَقَبَتِهِ وَأَخَذَ بِرَأْسِهِ، فَنَزَلَ إِبْلِيسُ وَأَخَذَ دَابَّةً أَوْ طَيْرًا، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى حَجَرٍ، ثُمَّ أَخَذَ حَجَرًا آخَرَ فَرَضَخَ بِهِ رَأْسَهُ، وَابْنُ آدَمَ الْقَاتِلُ يَنْظُرُ. فَأَخَذَ أَخَاهُ فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى حَجَرٍ، وَأَخَذَ حَجَرًا آخَرَ فَرَضَخَ بِهِ رَأْسَهُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَكَلَتِ النَّارُ قُرْبَانَ ابْنِ آدَمَ الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ، قَالَ الْآخَرُ لِأَخِيهِ: أَتَمْشِي فِي النَّاسِ وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّكَ قَرَّبْتَ قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْكَ، وَرُدَّ عَلَيَّ؟ وَاللَّهِ لَا تَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيَّ وَإِلَيْكَ وَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي! فَقَالَ: "لَأَقْتُلَنَّكَ"، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: مَا ذَنْبِي؟ " {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} ". فَخَوَّفَهُ بِالنَّارِ، فَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يَنْزَجِرْ" {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ". حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَرْمِي الْجَمْرَةَ، وَهُوَ مُتَقَنِّعٌ مُتَوَكِّئٌ عَلَى يَدَيَّ، حَتَّى إِذَا وَازَيْنَا بِمَنْزِلِ سَمُرَةَ الصَّوَّافِ، وَقَفَ يُحَدِّثُنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَهَى أَنْ يَنْكِحَ الْمَرْأَةَ أَخُوهَا تُؤْمَهَا، وَيَنْكِحُهَا غَيْرُهُ مِنْ إِخْوَتِهَا. وَكَانَ يُولَدُ فِي كُلِّ بَطْنٍ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ. فَوُلِدَتِ امْرَأَةٌ وَسِيمَةٌ، وَوُلِدَتِ امْرَأَةٌ دَمِيمَةٌ قَبِيحَةٌ. فَقَالَ أَخُو الدَّمِيمَةِ: أَنْكِحْنِي أُخْتَكَ وَأُنْكِحُكَ أُخْتِي. قَالَ: لَا أَنَا أَحَقُّ بِأُخْتِي. فَقَرَّبَا قُرْبَانًا، فَتُقُبِّلَ مِنْ صَاحِبِ الْكَبْشِ، وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ صَاحِبِ الزَّرْعِ، فَقَتَلَهُ. فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الْكَبْشُ مَحْبُوسًا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى أَخْرَجَهُ فِي فِدَاءِ إِسْحَاقَ، فَذَبَحَهُ عَلَى هَذَا الصَّفَا فِيثَبِيرٍ، عِنْدَ مَنْزِلِ سَمُرَةَ الصَّوَّافِ، وَهُوَ عَلَى يَمِينِكَ حِينَ تَرْمِي الْجِمَارَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ آخَرُونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ بَنُو آدَمَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَضَى أَرْبَعَةُ آبَاءٍ، فَنَكَحَ ابْنَةَ عَمِّهِ، وَذَهَبَ نِكَاحُ الْأَخَوَاتِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنِ الْقَاتِلِ أَنَّهُ قَتَلَ أَخَاهُ، وَلَا خَبَرَ عِنْدَنَا يَقْطَعُ الْعُذْرَ بِصِفَةِ قَتْلِهِ إِيَّاهُ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ ذَكَرَ السُّدِّيُّ فِي خَبَرِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ. غَيْرَ أَنَّ الْقَتْلَ قَدْ كَانَ لَا شَكَّ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: "فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، فَإِنَّ تَأْوِيلَهُ: فَأَصْبَحَ الْقَاتِلُ أَخَاهُ مِنَ ابْنَيْ آدَمَ، مِنْ حِزْبِ الْخَاسِرِينَ، وَهُمُ الَّذِينَ بَاعُوا آخِرَتَهُمْ بِدُنْيَاهُمْ، بِإِيثَارِهِمْ إِيَّاهَا عَلَيْهَا، فَوُكِّسُوا فِي بَيْعِهِمْ، وَغُبِنُوا فِيهِ، وَخَابُوا فِي صَفْقَتِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَيْضًا أَحَدُ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي أَمْرِ ابْنَيْ آدَمَ بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ عَمْرٌو، عَنِ الْحَسَنِ، لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ اللَّهُ صِفَتَهُمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، لَوْ كَانَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَمْ يَجْهَلِ الْقَاتِلُ دَفْنَ أَخِيهِ وَمُوَارَاةَ سَوْأَةِ أَخِيهِ، وَلَكِنَّهُمَا كَانَا مَنْ وَلَدِ آدَمَ لِصُلْبِهِ، وَلَمْ يَكُنِ الْقَاتِلُ مِنْهُمَا أَخَاهُ عَلِمَ سُنَّةَ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ الْمَوْتَى، وَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ بِأَخِيهِ الْمَقْتُولِ. فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ حِينًا حَتَّى أَرَاحَتْ جِيفَتُهُ، فَأَحَبَّ اللَّهُ تَعْرِيفَهُ السُّنَةَ فِي مَوْتَى خَلْقِهِ، فَقَيَّضَ لَهُ الْغُرَابَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفَ صِفَتَهُمَا فِي كِتَابِهِ. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِالَّذِي كَانَ مِنْ فِعْلِ الْقَاتِلِ مِنَ ابْنَيْ آدَمَ بِأَخِيهِ الْمَقْتُولِ، بَعْدَ قَتْلِهِ إِيَّاهُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي رَوْقٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَكَثَ يَحْمِلُ أَخَاهُ فِي جِرَابٍ عَلَى رَقَبَتِهِ سَنَةً، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ الْغُرَابَيْنِ، فَرَآهُمَا يَبْحَثَانِ، فَقَالَ: "أَعَجِزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ"؟ فَدَفَنَ أَخَاهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} "، بَعَثَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ غُرَابًا حَيًّا، إِلَى غُرَابٍ مَيِّتٍ، فَجَعَلَ الْغُرَابُ الْحَيُّ يُوَارِي سَوْأَةَ الْغُرَابِ الْمَيِّتِ، فَقَالَ ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ: " {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} " الْآيَةُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِيمَا ذُكِرَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا مَاتَ الْغُلَامُ تَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ، وَلَا يَعْلَمُ كَيْفَ يَدْفِنُ. فَبَعَثَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَاقْتَتَلَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَحَفَرَ لَهُ ثُمَّ حَثَا عَلَيْهِ. فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: " {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} "، فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: " {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} ". حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "يَبْحَثُ"، قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا حَتَّى حَفَرَ لِآخَرَ إِلَى جَنْبِهِ مَيِّتٍ وَابْنُ آدَمَ الْقَاتِلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ثُمَّ بَحَثَ عَلَيْهِ حَتَّى غَيَّبَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ"، حَتَّى حَفَرَ لِآخَرَ مَيِّتٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَغَيَّبَهُ، وَابْنُ آدَمَ الْقَاتِلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، حَيْثُ يَبْحَثُ عَلَيْهِ حَتَّى غَيَّبَهُ، فَقَالَ: "يَا وَيَلَتَا أَعْجَزَتْ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ"، الْآيَةُ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: " {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} "، قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا إِلَى غُرَابٍ، فَاقْتَتَلَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَجَعَلَ يَحْثِي عَلَيْهِ التُّرَابَ، فَقَالَ: " {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} "، قَالَ: جَاءَ غُرَابٌ إِلَى غُرَابٍ مَيِّتٍ، فَحَثَى عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ حَتَّى وَارَاهُ، فَقَالَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ: " {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} "، الْآيَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: لَمَّا قَتَلَهُ نَدِمَ، فَضَمَّهُ إِلَيْهِ حَتَّى أَرْوَحَ، وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْرُ وَالسِّبَاعُ تَنْتَظِرُ مَتَى يَرْمِي بِهِ فَتَأْكُلُهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: " {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ} "، أَنَّهُ بَعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمَا غُرَابَانِ اقْتَتَلَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، وَذَلِكَ يَعْنِي ابْنَ آدَمَ يَنْظُرُ، وَجَعَلَ الْحَيُّ يَحْثِي عَلَى الْمَيِّتِ التُّرَابَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مَا قَالَ: " {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} " الْآيَةُ، إِلَى قَوْلِهِ: "مِنَ النَّادِمِينَ". حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَمَّا قَوْلُهُ: " {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا} "، قَالَ: قَتَلَ غُرَابٌ غُرَابًا، فَجَعَلَ يَحْثُو عَلَيْهِ، فَقَالَ ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ حِينَ رَآهُ: " {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} ". حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ} "، قَالَ: وَارَى الْغُرَابُ الْغُرَابَ. قَالَ: كَانَ يَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ مِائَةَ سَنَةٍ لَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِهِ، يَحْمِلُهُ وَيَضَعُهُ إِلَى الْأَرْضِ، حَتَّى رَأَى الْغُرَابَ يَدْفِنُ الْغُرَابَ، فَقَالَ: " {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ حَصِينٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: " {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} "، قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ غُرَابًا، فَجَعَلَ يَبْحَثُ عَلَى غُرَابٍ مَيِّتٍ التُّرَابَ. قَالَ: فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: " {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} ". حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} "، بَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا حَيًّا إِلَى غُرَابٍ مَيِّتٍ، فَجَعَلَ الْغُرَابُ الْحَيُّ يُوَارِي سَوْأَةَ الْغُرَابِ الْمَيِّتِ، فَقَالَ ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ: " {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} "، الْآيَةُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فِيمَا يُذْكَرُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ، قَالَ: لَمَّا قَتَلَهُ سُقِطَ فِي يَدَيْهِ، وَلَمْ يَدْرِ كَيْفَ يُوَارِيهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ بَنِي آدَمَ وَأَوَّلَ مَيِّتٍ [قَالَ]: " {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} " الْآيَةُ [إِلَى قَوْلِهِ: " {ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} "، قَالَ]: وَيَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّ قَابِيلَ حِينَ قَتَلَ أَخَاهُ هَابِيلَ قَالَ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَا قَابِيلُ، أَيْنَ أَخُوكَ هَابِيلُ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي، مَا كُنْتُ عَلَيْهِ رَقِيبًا! فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لَهُ: إِنَّ صَوْتَ دَمِ أَخِيكَ لَيُنَادِينِي مِنَ الْأَرْضِ، الْآنَ أَنْتَ مَلْعُونٌ مِنَ الْأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا فَبَلَعَتْ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ. فَإِذَا أَنْتَ عَمِلْتَ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّهَا لَا تَعُودُ تُعْطِيكَ حَرْثَهَا حَتَّى تَكُونَ فَزِعًا تَائِهًا فِي الْأَرْضِ. قَالَ قَابِيلُ: عَظُمَتْ خَطِيئَتِي مِنْ أَنْ تَغْفِرَهَا! قَدْ أَخْرَجْتَنِي الْيَوْمَ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَأَتَوَارَى مِنْ قُدَّامِكَ، وَأَكُونُ فَزِعًا تَائِهًا فِي الْأَرْضِ، وَكُلُّ مَنْ لَقِيَنِي قَتَلَنِي! فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا يُجْزَى بِوَاحِدٍ سَبْعَةٌ، وَلَكِنْ مَنْ قَتَلَ قَابِيلَ يُجْزَى سَبْعَةً، وَجَعَلَ اللَّهُ فِي قَابِيلَ آيَةً لِئَلَّا يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ، وَخَرَجَ قَابِيلُ مِنْ قُدَّامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ شَرْقِيِّ عَدَنِ الْجَنَّةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ خَيْثَمَةَ قَالَ: لَمَّا قَتَلَ ابْنُ آدَمَ أَخَاهُ نَشِفَتِ الْأَرْضُ دَمَهُ، فَلُعِنَتْ فَلَمْ تَنْشِفِ الْأَرْضُ دَمًا بَعْدُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَأَثَارَ اللَّهُ لِلْقَاتِلِ-إِذْ لَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ بِأَخِيهِ الْمَقْتُولِ- " {غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} "، يَقُولُ: يَحْفِرُ فِي الْأَرْضِ، فَيُثِيرُ تُرَابَهَا "لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ"، يَقُولُ: لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي جِيفَةَ أَخِيهِ. وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُنِيَ بِـ "السَّوْأَةِ"، الْفَرْجَ، غَيْرَ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْتُ مِنَ الْجِيفَةِ، بِذَلِكَ جَاءَ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي ذَلِكَ مَحْذُوفٌ تُرِكَ ذِكْرُهُ، اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةٍ مَا ذُكِرَ مِنْهُ، وَهُوَ: "فَأَرَاهُ بِأَنْ بَحَثَ فِي الْأَرْضِ لِغُرَابٍ آخَرَ مَيِّتٍ فَوَارَاهُ فِيهَا"، فَقَالَ الْقَاتِلُ أَخَاهُ حِينَئِذٍ: " {يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} "، الَّذِي وَارَى الْغُرَابَ الْآخَرَ الْمَيِّتَ" {فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي} "، فَوَارَاهُ حِينَئِذٍ "فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ"، عَلَى مَا فَرَّطَ مِنْهُ، مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ فِي قَتْلِهِ أَخَاهُ. وَكُلُّ مَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ لَبَنِي آدَمَ، وَحَرَّضَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنِ الْيَهُودِ-الَّذِينَ كَانُوا هَمُّوا بِقَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَتْلِهِمْ- مَنْ بَنِي النَّضِيرِ، إِذْ أَتَوْهُمْ يَسْتَعِينُونَهُمْ فِي دِيَةِ قَتِيلَيْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، وَعَرَّفَهُمْ جَلَّ وَعَزَّ رَدَاءَةَ سَجِيَّةِ أَوَائِلِهِمْ، وَسُوءَ اسْتِقَامَتِهِمْ عَلَى مَنْهَجِ الْحَقِّ، مَعَ كَثْرَةِ أَيَادِيهِ وَآلَائِهِ عِنْدَهُمْ. وَضَرَبَ مَثَلَهُمْ فِي غَدْرِهِمْ، وَمَثَلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْوَفَاءِ لَهُمْ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ، بِابْنَيْ آدَمَ الْمُقَرِّبَيْنِ قَرَابِينَهُمَا، اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ. ثُمَّ ذَلِكَ مَثَلٌ لَهُمْ عَلَى التَّأَسِّي بِالْفَاضِلِ مِنْهُمَا دُونَ الطَّالِحِ. وَبِذَلِكَ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ نَبِيَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ ضَرَبَ لَكُمُ ابْنَيْ آدَمَ مَثَلًا فَخُذُوا خَيْرَهُمَا وَدَعُوا شَرَّهُمَا"؟ قَالَ: بَلَى. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، «عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ ابْنَيْ آدَمَ ضُرِبَا مَثَلًا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، فَخُذُوا بِالْخَيْرِ مِنْهُمَا». حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ لَكُمُ ابْنَيْ آدَمَ مَثَلًا فَخُذُوا مِنْ خَيْرِهِمْ وَدَعُوا الشَّر».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًاوَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ"، مِنْ جَرِّ ذَلِكَ وَجَرِيرَتِهِ وَجِنَايَتِهِ. يَقُولُ: مِنْ جَرِّ الْقَاتِلِ أَخَاهُ مِنَ ابْنَيْ آدَمَ اللَّذَيْنِ اقْتَصَصْنَا قِصَّتَهُمَا الْجَرِيرَةَ الَّتِي جَرَّهَا، وَجِنَايَتِهِ الَّتِي جَنَاهَا "كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ". يُقَالُ مِنْهُ: "أَجَلْتُ هَذَا الْأَمْرَ"، أَيْ: جَرَرْتُهُ إِلَيْهِ وَكَسَبْتُهُ، "آجِلُهُ لَهُ أَجْلًا"، كَقَوْلِكَ: "أَخَذْتُهُ أَخْذًا"، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ: وَأَهْلِ خِبَاءٍ صَالِحٍ ذَاتُ بَيْنِهِمْ *** قَدِ احْتَرَبُوا فِي عَاجِلٍ أَنَا آجِلُهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: "أَنَا آجِلُهُ"، أَنَا الْجَارُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالْجَانِي. فَمَعْنَى الْكَلَامِ: مِنْ جِنَايَةِ ابْنِ آدَمَ الْقَاتِلِ أَخَاهُ ظُلْمًا، حَكَمْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ نَفْسًا ظُلْمًا، بِغَيْرِ نَفْسٍ قَتَلَتْ، فَقُتِلَ بِهَا قِصَاصًا "أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ"، يَقُولُ: أَوْ قَتَلَ مِنْهُمْ نَفْسًا بِغَيْرِ فَسَادٍ كَانَ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ، فَاسْتَحَقَّتْ بِذَلِكَ قَتْلَهَا. وَفَسَادُهَا فِي الْأَرْضِ، إِنَّمَا يَكُونُ بِالْحَرْبِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَإِخَافَةِ السَّبِيلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ:
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} "، يَقُولُ: مِنْ أَجْلِ ابْنِ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ ظُلْمًا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: " {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} ". فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَامَ عَدْلٍ، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ شَدَّ عَلَى عَضُدِ نَبِيٍّ أَوْ إِمَامٍ عَدْلٍ، فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقَدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: " {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} "، قَالَ: مَنْ شَدَّ عَلَى عَضُدِ نَبِيٍّ أَوْ إِمَامِ عَدْلٍ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ إِمَامَ عَدْلٍ، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: " {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} "، يَقُولُ: مَنْ قَتَلَ نَفَسًا وَاحِدَةً حَرَّمْتُهَا، فَهُوَ مِثْلُ مَنْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا "وَمَنْ أَحْيَاهَا"، يَقُولُ: مَنْ تَرَكَ قَتْلَ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ حَرَّمْتُهَا مَخَافَتِي، وَاسْتَحْيَاهَا أَنْ يَقْتُلَهَا، فَهُوَ مِثْلُ اسْتِحْيَاءِ النَّاسِ جَمِيعًا يَعْنِي بِذَلِكَ الْأَنْبِيَاءَ. وَقَالَ آخَرُونَ: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا"، عِنْدَ الْمَقْتُولِ فِي الْإِثْمِ"وَمَنْ أَحْيَاهَا"، فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْ هَلَكَةٍ "فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا"، عِنْدَ الْمُسْتَنْقِذِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِيمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: " {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} "، عِنْدَ الْمَقْتُولِ، يَقُولُ: فِي الْإِثْمِ"وَمَنْ أَحْيَاهَا"، فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْ هَلَكَةٍ "فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا"، عِنْدَ الْمُسْتَنْقَذِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ قَاتِلَ النَّفْسِ الْمُحَرَّمِ قَتْلُهَا، يَصْلَى النَّارَ كَمَا يَصْلَاهَا لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا "وَمَنْ أَحْيَاهَا"، مَنْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِهَا، فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِ النَّاسِ جَمِيعًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " {مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} "، قَالَ: مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلِهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا "وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا"، قَالَ: وَمَنْ أَوْبَقَهَا. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَنْ أَوْبَقَ نَفْسًا فَكَمَا لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا وَسَلِمَ مِنْ ظُلْمِهَا فَلَمْ يَقْتُلْهَا، فَقَدْ سَلِمَ مِنْ قَتْلِ النَّاسِ جَمِيعًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا"، لَمْ يَقْتُلْهَا، وَقَدْ سَلِمَ مِنْهُ النَّاسُ جَمِيعًا، لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ أَبِي لُبَابَةَ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا أَوْ: سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ عَنْ قَوْلِهِ: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا"، قَالَ: لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، كَانَ جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قِرَاءَةً، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: " {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} "، قَالَ: الَّذِي يَقْتُلُ النَّفْسَ الْمُؤْمِنَةَ مُتَعَمِّدًا، جَعَلَ اللَّهُ جَزَاءَهُ جَهَنَّمَ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. يَقُولُ: لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا لَمْ يَزِدْ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ الْعَذَابِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا" قَالَ: مَنْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، فَقَدِ اسْتَرَاحَ النَّاسُ مِنْهُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَوَبَقَ نَفْسَهُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: فِي الْإِثْمِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} "، وَقَوْلُهٌ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 93] قَالَ: يَصِيرُ إِلَى جَهَنَّمَ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا لَصَارَ إِلَى جَهَنَّمَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} " قَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ وَقَالَ: " {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} "، فَإِحْيَاؤُهَا: لَا يَقْتُلُ نَفْسًا حَرَّمَهَا اللَّهُ، فَذَلِكَ الَّذِي أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا، يَعْنِي: أَنَّهُ مَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا إِلَّا بِحَقٍّ، حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "وَمَنْ أَحْيَاهَا"، قَالَ: وَمَنْ حَرَّمَهَا فَلَمْ يَقْتُلْهَا. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ الْعَلَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: " {مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} "، قَالَ: مَنْ كَفَّ عَنْ قَتْلِهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: " {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} " قَالَ: هِيَ كَالَّتِي فِي "النِّسَاءِ": {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 93]، فِي جَزَائِهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} " كَالَّتِي فِي"سُورَةِ النِّسَاءِ"، {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} فِي جَزَائِهِ"وَمَنْ أَحْيَاهَا"، وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، فَقَدْ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} "، قَالَ: الْتَفَتَ إِلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ: هُوَ هَذَا وَهَذَا. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقِصَاصِ بِهِ وَالْقَوَدِ بِقَتْلِهِ، مِثْلُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوَدِ وَالْقِصَاصِ لَوْ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} "، قَالَ: يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ مِثْلُ لَوْ أَنَّهُ قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا. قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: "وَمَنْ أَحْيَاهَا": مَنْ عَفَا عَمَّنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ مِنْهُ فَلَمْ يَقْتُلْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} "، يَقُولُ: مَنْ أَحْيَاهَا، أَعْطَاهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ لَوْ أَنَّهُ أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا "أَحْيَاهَا" فَلَمْ يَقْتُلْهَا وَعَفَا عَنْهَا. قَالَ: وَذَلِكَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ، وَالْقَتِيلُ نَفْسُهُ يَعْفُو عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ. قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: " {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} "، قَالَ: مَنْ عَفَا. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: " {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} "، قَالَ: مَنْ قُتِلَ حَمِيمٌ لَهُ فَعَفَا عَنْ دَمِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ." {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} "، قَالَ: الْعَفْوُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: " {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} "، وَمَنْ أَنْجَاهَا مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرَقٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} " قَالَ: مَنْ أَنْجَاهَا مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرَقٍ أَوْ هَلَكَةٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} "، قَالَ: مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرَقَ أَوْ هَدَمٍ. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: "وَمَنْ أَحْيَاهَا"، قَالَ: أَنْجَاهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ بِمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ"، قَالَ: مَنْ تَوَرَّعَ أَوْ لَمْ يَتَوَرَّعْ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} "، يَقُولُ: لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ لَكَانَ قَدْ أَحْيَى النَّاسَ، فَلَمْ يَسْتَحِلَّ مُحَرَّمًا. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ فِي ذَلِكَ بِمَا:- حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: " {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} "، قَالَ: عَظُمَ ذَلِكَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: " {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ} "الْآيَةُ، مَنْ قَتَلَهَا عَلَى غَيْرِ نَفْسٍ وَلَا فَسَادٍ أَفْسَدَتْهُ" {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا}" عَظُمَ وَاللَّهِ أَجْرُهَا، وَعَظُمَ وِزْرُهَا! فَأَحْيِهَا يَا ابْنَ آدَمَ بِمَا لَكَ، وَأَحْيِهَا بِعَفْوِكَ إِنِ اسْتَطَعْتَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وَإِنَّا لَا نَعْلَمُهُ يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ، فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ أَوْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: تَلَا قَتَادَةُ: " {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} " قَالَ: عَظُمَ وَاللَّهِ أَجْرُهَا، وَعَظُمَ وَاللَّهِ وِزْرُهَا! حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَلَامِ بْنِ مِسْكِينٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ الرِّبْعِيُّ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: " {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ} " الْآيَةُ، أَهِيَ لَنَا يَا أَبَا سَعِيدٍ، كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ؟ فَقَالَ: إِي وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، كَمَا كَانَتْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ! وَمَا جَعَلَ دِمَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ دِمَائِنَا؟ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدًا أَبَا الْفَضْلِ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: " {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} " إِلَى قَوْلِهِ: " {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} "، ثُمَّ قَالَ: عَظَّمَ وَاللَّهِ فِي الْوِزْرِ كَمَا تَسْمَعُونَ، وَرَغَّبَ وَاللَّهِ فِي الْأَجْرِ كَمَا تَسْمَعُونَ! إِذَا ظَنَنْتَ يَا ابْنَ آدَمَ، أَنَّكَ لَوْ قَتَلْتَ النَّاسَ جَمِيعًا، فَإِنَّ لَكَ مِنْ عَمَلِكَ مَا تَفُوزُ بِهِ مِنَ النَّارِ، كَذَبَتْكَ وَاللَّهِ نَفْسُكَ، وَكَذَبَكَ الشَّيْطَانُ. حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: " {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} " قَالَ: وِزْرًا "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا" قَالَ: أَجْرًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُؤْمِنَةً بِغَيْرِ نَفْسِ قَتَلَتْهَا فَاسْتَحَقَّتِ الْقَوَدَ بِهَا وَالْقَتْلَ قِصَاصًا أَوْ بِغَيْرِ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ، بِحَرْبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَحَرْبِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا فِيمَا اسْتَوْجَبَ مِنْ عَظِيمِ الْعُقُوبَةِ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، كَمَا أَوْعَدَهُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ رَبُّهُ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 93]. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} " فَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِهِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَنْ حَرَّمَ قَتْلَ مَنْ حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ قَتْلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَدَ حَيَّى النَّاسَ مِنْهُ بِسَلَامَتِهِمْ مِنْهُ، وَذَلِكَ إِحْيَاؤُهُ إِيَّاهَا. وَذَلِكَ نَظِيرُ خَبَرِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَمَّنْ حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ إِذْ قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 258]. فَكَانَ مَعْنَى الْكَافِرِ فِي قِيلِهِ: "أَنَا أُحْيِي"، أَنَا أَتْرُكُ مَنْ قَدَرْتُ عَلَى قَتْلِهِ- وَفِي قَوْلِهِ: "وَأُمِيتُ"، قَتْلَهُ مَنْ قَتَلَهُ. فَكَذَلِكَمَعْنَى "الإِحْيَاءِ" فِي قَوْلِهِ: "وَمَنْ أَحْيَاهَا"، مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ قَتْلِهِ إِيَّاهُمْ، إِلَّا فِيمَا أَذِنَ اللَّهُ فِي قَتْلِهِ مِنْهُمْ" {فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا} ". وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّهُ لَا نَفْسَ يَقُومُ قَتْلُهَا فِي عَاجِلِ الضُّرِّ مُقَامِ قَتْلِ جَمِيعِ النُّفُوسِ، وَلَا إِحْيَاؤُهَا مُقَامَ إِحْيَاءِ جَمِيعِ النُّفُوسِ فِي عَاجِلِ النَّفْعِ. فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى "الإِحْيَاءِ": سَلَامَةُ جَمِيعِ النُّفُوسِ مِنْهُ، لِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، فَقَدْ سَلِمَ مِنْهُ جَمِيعُ النُّفُوسِ- وَأَنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهَا الَّتِي يَقُومُ قَتْلُهَا مُقَامَ جَمِيعِهَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْوِزْرِ، لِأَنَّهُ لَا نَفْسَ مِنْ نُفُوسِ بَنِي آدَمَ يَقُومُ فَقْدُهَا مُقَامَ فَقْدِ جَمِيعِهَا، وَإِنْ كَانَ فَقْدُ بَعْضِهَا أَعَمُّ ضَرَرًا مِنْ فَقْدِ بَعْضٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ: {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَقْسَمَ بِهِ: أَنَّ رُسُلَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَدْ أَتَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قَصَّ اللَّهُ قَصَصَهُمْ وَذَكَرَ نَبَأَهُمْ فِي الْآيَاتِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، مِنْ قَوْلِهِ: " {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} " إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ"بِالْبَيِّنَاتِ"، يَعْنِي: بِالْآيَاتِ الْوَاضِحَةِ وَالْحُجَجِ الْبَيِّنَةِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا أُرْسِلُوا بِهِ إِلَيْهِمْ، وَصِحَّةِ مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِهِمْ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: "ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ"، يَعْنِي: أَنَّ كَثِيرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. وَ "الهَاءُ وَالْمِيمُ" فِي قَوْلِهِ: "ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ"، مِنْ ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: "وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ". "بَعْدَ ذَلِكَ"، يَعْنِي: بَعْدَ مَجِيءِ رُسُلِ اللَّهِ بِالْبَيِّنَاتِ. "فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ"، يَعْنِي: أَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ لَعَامِلُونَ بِمَعَاصِي اللَّهِ، وَمُخَالِفُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ، وَمُحَادُّو اللَّهِ وَرُسُلِهِ، بِاتِّبَاعِهِمْ أَهْوَاءَهُمْ. وَخِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَذَلِكَ كَانَ إِسْرَافُهُمْ فِي الْأَرْضِ.
|